#
فى مئوية “حكيم العرب” حلم أمة حققه قائد.. ملحمة الشيخ زايد من قيام الاتحاد إلى تأسيس الإمارات | صور

فى مئوية “حكيم العرب” حلم أمة حققه قائد.. ملحمة الشيخ زايد من قيام الاتحاد إلى تأسيس الإمارات | صور

“على قدر أهل العزم تأتى العزائم”.. حكمة سطرها شاعر العربية الأكبر أبوالطيب المتنبي قبل ألف عام، لكن مردودها ظل حاضرا لينطبق على القلائل من أبناء العروبة، وكان الشيخ زايد بن سلطان، مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة واحداً من هؤلاء القلائل، الذين تحلوا بالعزم في إقامة الحلم، وجعلوا منه حقيقة ماثلة أمام أعين العالم.

 

“2018.. عام زايد” الذي خصصته دولة الإمارات العربية المتحدة للاحتفال بمئوية مؤسس الاتحاد، ومعها يحتفل كل عربي امتلأ قلبه حباً وتقديراً للمواقف القومية والإنسانية العظيمة التي سجلها الشيخ زايد لتبقى خالدة، منقوشة بأحرف من نور على جبين الزمان.

زايد يحمل طفلين .

في وقت كان فيه العالم يلملم جراحه نتيجة أكبر حرب عظمى شهدها التاريخ، وكتب فيه انتصار الحلفاء تاريخاً جديداً للمنطقة والعالم، ما يفرض وجود قادة حقيقيين يتحلون بالعقل الراجع والفكر السديد، أبصر “حكيم العرب” الشيخ زايد بن سلطان النور في قصر الحصن، وذلك في السادس من مايو عام 1918، لقد ولد في نفس العام الذي ولد فيه قادة آخرين ممن حملوا لواء مقاومة الاستعمار، وتحقيق الأحلام القومية، جمال عبدالناصر وأنور السادات في مصر، ونيلسون مانديلا بجنوب إفريقيا.

سُمى الشيخ زايد تيمنا باسم جده الأكبر الشيخ زايد الأول بن خليفة آل نهيان، الذي حكم إمارة أبو ظبي بين عامي (1855ـ1909)، ونشأ في كنف والده الشيخ سلطان الذي تولى زمام السلطة بعد 4 أعوام فقط من ولادة الشيخ زايد، وكان مجلس الحكم للشيخ سلطان هو المنبع الأول الذي استقى منه الشيخ زايد حكمته السياسية، ودرايته بأصول الحكم.

وعى الشيخ زايد آيات الله حفظاً في سن صغير، على يد “المطاوعة” وهم الشيوخ الذين يعلمون حفظ القرآن الكريم، والسنة النبوية، وأصول اللغة العربية، وأبدى تفوقاً في الحفظ، وحباً كبيرا للفروسية والصيد.

زايد بن سلطان فى احدى الزيارات الميدانية .

سرعان ما انخرط ـ المغفور له ـ الشيخ زايد في مسيرة العمل السياسي والإداري في سن مبكرة، وما أن أقبل عام 1946 حتى تولى إمارة مدينة العين، ولأن العلم كان دائما محور رؤيته التنموية، فقد أسس الشيخ زايد أول مدرسة بها، وحملت اسم “المدرسة النهيانية”، وسرعان ما أسس بجوارها مستشفى، وسوق تجارية، ونظم العديد من القوانين التي تنظم شئون الزراعة وإدارة المياه.

مع طليعة الخمسينيات، انطلق الشيخ زايد في جولاته الخارجية التي شملت الدول العظمى، مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وزار دول المنطقة العربية، وفى الصدارة منها مصر، ولبنان، وسوريا، والعراق، هنا بدأ الحلم بتكوين دولة قوية تجعل من المعرفة والتنمية وسيلتها لتتبوأ مكانة كبرى في ركب الدول.

زايد بن سلطان خلال زيارتع لاحدى المصانع .

وبين عامي 1962 و1966 تولى الشيخ زايد معاونة شقيقه الشيخ شخبوط في إدارة شئون أبو ظبي، حتى تولى إمارتها في 6 أغسطس عام 1966، لكنه وقبل توليه الإمارة بعام، بدأ “حلم الاتحاد” بتكوين أول دولة عربية فيدرالية يسيطر على تفكير الشيخ زايد، لقد أراد أن يحل مصطلح “الدولة” بدلاً من “القبيلة”، وأن تجتمع الإمارات في كيان قوى يعزز من وجودها في محيطها الإقليمي والدولي، فأسس في دبي عام 1965 المكتب الاتحادي الذي ضم عدة وزارات، وكان النواة الأولى لتأسيس “الاتحاد”.

وعندما أعلنت بريطانيا نيتها الجلاء عن بريطانيا في عام 1971، بدأ الشيخ زايد بمعاونة من الشيخ راشد بن سعيد ـ حاكم دبى ـ في تحقيق حلم الاتحاد عبر إجراءات ملموسة، وفى عام 1969 انتخب الشيخ زايد رئيسا للاتحاد التساعي الذى ضم أبو ظبى، دبى، الشارقة، الفجيرة، أم القيوين، رأس الخيمة، وعجمان، فضلا عن البحرين، وقطر، لكن مع تعثر المفاوضات، تم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في 2 ديسمبر 1971 بست إمارات انضمت لها رأس الخيمة في 10 فبراير1972 ، ليكتمل النصاب وتعم الفرحة أرجاء البلاد، وانتخب الشيخ زايد رئيسًا للاتحاد وقائدًا أعلى للقوات المسلحة.

زايد بن سلطان خلال زيارته لاحدى المصانع .

مرت سنتين على تكوين الإتحاد ونشأة الإمارات العربية المتحدة، ومعها اندلعت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، ولم يكن الشيخ زايد بحاجة للتأكيد على أنه رجل المواقف العظيمة وأن جعلته هذه المواقف يناجز الدول الكبرى، فأعلن وقف تصدير البترول نهائيا عن الدول المساندة لإسرائيل، وأطلق عبارته الشهيرة التي بقيت خالدة على جبين التاريخ ” البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي”، وكالعادة كان مسانداً لمصر في حربها، مثلما كان مسانداً لها منذ النكسة وحرب الاستنزاف، وأعلن عن تزويد مصر بما تحتاج إليه من سلع ومواد تموينية، وعتاد عسكري مهما تكلف الأمر، بل وأرسل نجله الأكبر الشيخ خليفة بن زايد ـ رئيس دولة الإمارات الحالي ـ على رأس قوة عسكرية إماراتية للمشاركة في حرب أكتوبر، وحين سأله أحد الصحفيين الأجانب: “ألا تخاف على عرشك؟” أجاب بعزيمة، لا تحتاج معها إلى الاستدلال عن معدنه العربي الأصيل حيث قال:” إن أكثر شيء يخاف عليه الإنسان هو روحه، وأنا لا أخاف على حياتي، وسأضحي بكل شيء في سبيل القضية العربية، واستطرد “أنني رجل مؤمن، والمؤمن لا يخاف إلا الله، المعركة هي معركة الوجود العربي كله ومعركة أجيال كثيرة قادمة علينا أن نورثها العزة والكرامة”.

زايد بن سلطان خلال زيارته لاحدى المدارس .

كان الشيخ زايد، مؤمنا أيما إيمان بالوحدة العربية، وكان يسعى لرأب أي صدع في العلاقات العربية العربية، لذا نجده يرفض قطع العلاقات مع مصر في أعقاب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، ونجده داعياً لتأسيس مجلس التعاون الخليجي، وانتخب أول رئيس له في 25 مايو 1981، واحتضنت أبو ظبي الاجتماع الأول له.

وفى حرب الخليج الأولى رفض الشيخ زايد أن تكون الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران ورقة لاستمرار الحرب بين بغداد وطهرا، وكان لحكيم العرب الشيخ زايد محاولاته المضنية لإنهاء النزاع بين العراق والكويت، وخلال الحرب فتح الشيخ زايد أبواب الإمارات على مصرعيها أمام أكثر من 66 ألف لاجئ كويتي، وأمر بتوفير السكن والرعاية الطبية لهم.

ومنذ تأسيس الاتحاد عام 1972، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود، ارتقى الشيخ زايد بدولة الإمارات العربية المتحدة سياسيا، واقتصادياً، واجتماعياً، وجعل منها دولة فتية قادرة على التواجد ضمن مصاف الدول المتقدمة، واحتفظ بعلاقات دولية وطيدة، جعلت منه مثار اعجاب الحكومات والشعوب، وأنفق “زايد الخير” مليارات الدولارات في المساعدات على الدول النامية والفقيرة، ما جعله صديقا للجميع، ورائدا للعمل الإنساني.

وفى الثاني من نوفمبر عام 2004، وبعد حياة حافلة مزجت بين الحلم والعمل، والإخلاص لقضايا الأمتين العربية والإسلامية، رحل الشيخ زايد إلى جوار ربه عن عمر ناهز السادسة والثمانين عاما، ليصدق فيه قول الشاعر:
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها … من بعدهم فبألسُن البنيان
إن البناء إذا تعاظم شأنه … أضحى يدل على عظيم الشان

2018-11-11